مذكرات العمل بالتربية والتعليم (1)


مذكراتي في التربية والتعليم ( الجزء الأول )

** تضم هذه المذكرات البعض من مذكراتي الشخصية الخاصة بالعمل بالتربية والتعليم وذلك بعد التحفظ على التفاصيل التي لم أجد ضرورة لنشرها .
** أثناء دراساتي في كلية الزراعة لم يكن العمل بالتربية والتعليم ضمن طموحي وتوقعاتي ، فبعد الانتهاء من دراسة كلية الزراعة 1979 بدأت أخطط للسفر الى الخارج للعمل ، واستغرق هذا التخطيط حوالي عاما ونصف بعد التخرج قضيتها في تأدية الخدمة العامة وأعمال مؤقته بشركة أقطان وشركة تصدير حاصلات زراعية .
** تم السفر الى العراق 23/8/1981 ، وبعد الالتحاق بعمل مؤقت هناك بمصنع بسكويت لمدة 20 يوم وجدت فرصة للعمل بوظيفة محاضر ( مدرس بالاجر ) لحين التعاقد على وظيفة مدرس .
(( أول قرار في العمل هو استلام عهدة معمل العلوم ))
** وبدأ العمل في مدرسة المكاسب المتوسطة ( الاعدادية ) بكربلاء كمدرس علوم حياة ( أحياء ) ولم يكن بالمدرسة امين معمل فأبديت استعدادي لاستلام عهدة المعمل وبدأت بالفعل اجراءات استلام العهدة وكانت تشمل أدوات كثيرة مكتوبة في قائمة باللغة الانجليزية مما اضطرني الى شراء قاموس للتعرف على الأدوات بدقة.
** وكعادتي أن اتناول كل شيء بالاستعداد والتخطيط وعدم الاعتماد على العشوائية ؛ قررت في بداية دخولي للفصل أول مرة أن أصمت فترة من الوقت باعتبار أن الصمت وقلة الكلام له عامل كبير في اكتشاف الآخرين ، كما قررت أيضا أن استخدم اللغة العربية البسيطة الشبيهة بالعامية والبعد عن الكلمات قليلة الاهمية والبعد عن التكلف بنطق اللهجة العراقية .
** ولاحظت أن الطلاب يستجيبون لأدائي في الشرح ، وأن بعضهم يقول لي ما معناه (اننا بنفهم كلامك عن غيرك من المصريين) ، رغم أنني لم اتدرب على التدريس والشرح من قبل .. ولكنني كنت أتذكر أثناء عملي عدة مدرسين كنت أعتبرهم قدوة أثناء مرحلة الدراسة منهم مدرس علوم بالاعدادي والذي تعلمت منه الالتزام بوقت الحصة المحدد وتقسيم الأعمال التي يقوم بها ( التمهيد والشرح والمناقشة والكتابة ) على وقت الحصة بحيث ينتهي من هذه الأعمال في الوقت المحدد ، كما كنت أتذكر أيضا مدرس موسيقى بالابتدائي تعلمت منه اسلوب التشجيع بالشرط ، حيث تحسب ( شرطة ) لأي أداء جيد في الحصة ، حتى ولو كان هذا الاداء مجرد سلوك جيد من الطالب أو سؤال ذكي يسأله الطالب ، وقد طبقت هذا النظام فيما بعد عندما عملت بالتربية الزراعية في مصر ، كما تذكرت أيضا من هذا المدرس الالتزام الشديد بمادة النشاط باعتبارها أكثر المواد اهتماما بالنواحي التربوية .
** وأعجبني في بدء التدريس بكربلاء موجه المادة عندما جلس في آخر الفصل وسجل لي جميع الملاحظات وكأنه قام بتسجيل فيديو كامل للدرس ، ونبهني الى ضرورة الاهتمام بالسبورة والخط الواضح.
** شعرت أن خبرتي في التدريس تزداد يوما بعد يوم مع اتباع طريقة التعلم من الاخطاء ، ولاحظت أن الطلاب يمكن السيطرة عليهم بقليل من الجهد ، وأن تمردهم اقل كثيرا من التمرد الذي عرفته من الزملاء الطلاب في مصر .
** في هذا الشهر الذي قضيته في محافظة كربلاء حدثت مناسبة يوم عاشوراء وكان لي الحظ الكبير أن أكون موجودا في المدينة التي تقام بها الطقوس الخاصة بالمسلمين الشيعة من جميع أنحاء العراق ومن دول أخرى ايضا حيث يزورون مرقدالحسين ويمارسون الشعائر الخاصة بهم.
** دفعني الفضول الى المشي مع هذه الأفواج حتى دخلت مسجد الحسين وقرأت سورة الفاتحة ...
أذكر أنني في ذلك اليوم لاحظني أحد الطلاب بالمدرسة وسألني في يوم تالي ان كنت مثلهم من الشيعة فأجبته بالنفي بكل احترام وحرص شديد ، ووجدت احتراما وتقديرا من كافة المدرسين .
** وفي هذه الفترة تكونت علاقات جيدة مع بعض المدرسين العراقيين الذين منهم مدرس عربي ضرير له شخصية قوية بداخل الفصل وكان الطلاب يحترمونه ويخافون منه طول الحصة لأنه كان يقوم بمعاقبة الطالب المشاكس بضربه على يديه بدلا من ارساله للمدير كي يعاقبه كما يحدث مع بعض المدرسين.
** كان هذا المدرس الضرير يتحدث معي دائما عن رغبته في زيارة مصر مدينة الألف مأذنة ... وكان دائما يسألني عن أسعار السفر بالطائرة أو الباخرة كما كان يسألني عن أقل تكلفة اجمالية يمكن أن يتكلفها عندما يقضي بعض الأيام في مصر
** كما كان يطلب مني أن أقول له نكتة مصرية حيث أنه كان مقتنعا أن المصريين لهم القدرة الفائقة على تأليف النكات .
**وبعد حوالي شهر قضيته في كربلاء جاء أمر لنقلي الى مدرسة شهداء دير ياسين - بمحافظة ذي قار – قضاء ( مركز ) الشطرة – قرية آل حسن - بذلت جهدا كثيرا في العثور على المدرسة فقد كانت القرية تبعد عشرة كيلو عن مدينة الشطرة ، والشطرة تبعد 50 كيلو عن مدينة الناصرية ( مركز المحافظة ) ،
** وعندما طلبت من أحد الناس الاستدلال عن مدرسة شهداء دير ياسين وجهني أحد السائقين – على سبيل الخطأ - الى منطقة تدعى ( دار ياسين ) ، أصعد في سيارة ميكروباس عتيقة لا يوجد بها شيء سليم إلا الموتور .
** تسير بي السيارة في طريق ترابي متعرج وجو ترابي أيضا يعفر الوجوه ولا نرى من السيارة إلا مساحات جرداء إلا ببعض الأعشاب الطبيعية المتناثرة وبعد أكثر من ساعة تصل السيارة الى منطقة دار ياسين وهناك لا أجد إلا مدرسة الامام الصادق أعتقدت أنها مدرستي وحتى أصل الى هذه المدرسة عبرت نهر صغير ( ترعة ) بواسطة قارب طويل بدائي الصنع لا يسع أكثر من صف واحد من 10 أشخاص تقريبا وهذا القارب مصنوع من جريد النخل وعندما ركبت هذا القارب لم أكن خائفا على نفسي بقدر ما كنت خائفا على الأوراق الرسمية التي تحتويها حقيبتي .
** وصلت بسلام الى مدرسة الامام الصادق – على سبيل الخطأ - وارشدني أحد الزائرين العراقيين بكيفية الوصول الى مدرسة دير ياسين واصطحبني معه باللنش الصغير الذي يشبه السيارة الخاصة ويعرفني بنفسه ويرشدني الى الطريق الصحيح الى المدرسة .
** استمر اللنش سائرا بنا نحن الاثنان لمدة نصف ساعة تقريبا قضيناها في الحديث الممتع ، ورغم شدة تعبي وقلقي في هذا اليوم إلا أنني شعرت ببعض الراحة عند السير في الطريق المائي وهو ترعة ضيقة مليئة بالثنيات وعلى ضفاف الترعة أجد النباتات الطبيعية وأماكن يبدو أنها لم يمسها انسان وكان الجو جميلا ورطبا في هذا الطريق ويختلف عن الطريق الترابي المتعفر الذي أتيت فيه الى المدرسة.
** بعد هذه الرحلة النهرية أغادر اللنش الى المكان الذي أستطيع أن استقل فيه سيارة الى قرية (آل حسن) حيث توجد المدرسة، وعندما وقفت في مكان السيارات وجدت شخصا ريفيا يأتي من القرية القريبة لكي ينتظر معي السيارة ... وكان الطريق ترابي لا يكاد يصدق أي أحد أن هذا الطريق يمكن ان تمر به سيارات من شدة الهدوء والصمت واثناء فترة الانتظار تحدثت الى هذا الرجل الريفي بلغة بسيطة .
** تشق السيارة طريقها بعد ذلك وسط الغبار المتطاير على الطريق وعندما نصل الى قرية معينة يرشدني السائق الى النزول من السيارة لكي أكمل طريقي عن طريق سيارة أخرى توصلني الى القرية التي أقصدها ...
** وعندما أنزل من السيارة أسأل أحد القرويين عن مكان قرية آل حسن ومدرسة شهداء دير ياسين فيشير الى نقطة بيضاء صغيرة تبدو بعيدة جدا ويقول لي هذه هي مدرسة شهداء دير ياسين والتي توجد في قرية آل حسن لكنها تبعد عن هنا ويلزم لك أن تصل اليها عن طريق السيارة أو تصل اليها مباشرة عن طريق المشي عبر هذه الارض الزراعية.
(( مغامرة بالسير وسط الأعشاب ))
** شكرته وفضلت الذهاب مشيا عن طريق المشي وسط الأعشاب الطبيعية التي تملأ ارض رطبة ، لم اخاف من احتمال وجود أحد الحيوانات الشرسة أو الثعابين التي يمكن أن تكون مختفية بين الحشائش ، ويبدو أن سبب هذه الجرأة أنني عملت في مصر بمزرعة الكلية واعتدت أن أسير وسط النباتات .
** لأول مرة أمشي في طريق بهذا الهدوء الغريب ، واضطررت الى أن اجري في بعض الأحيان حتى أوفر بعض الوقت واحيانا كنت اجد منطقة شديدة البلل الف حولها
**بعد فترة أقل من ساعة من المشي والركض تتضح ملامح المدرسة فبعد أن كانت نقطة بيضاء ، أصبحت بقعة ، أصبحت صورة ، وأخير وصلت المدرسة عصرا ، وأجد أمام المدرسة مدرس عراقي يقف مع مجموعة من المدرسات العراقيات منتظرين سيارة ترجعهم الى المدينة لأن اليوم المدرسي قد انتهى .
** عندما علم المدرس بأنني محاضر جديد أخذ الأمر الاداري ووضعه على مكتب المديرة لكي تصمم لي جدولا بالمواد التي سوف ادرسها في اليوم التالي لأنها قد غادرت المدرسة الى بيتها بنفس القرية
** عرفني هذا المدرس على المدرسات العراقيات وقال لي ما معناه أن احضر في اليوم التالي لاستلام العمل وأرشدوني الى مكان موقف السيارات ، وفي اليوم التالي ذهبت الى المدرسة والتي دوامها مسائي ولم تكن إلا فصلين ملحقين بالمدرسة الابتدائية الصباحية .
** ومن خلال الحديث عرفت أن بالقرية مدرستين ابتدائيتين صباحيتين أحدهما للبنين واسمها مدرسة الامام علي ، والأخرى للبنات واسمها مدرسة شهداء دير ياسين ، ولم يكن بالقرية مدرسين مصريين.
** بدأ العمل بالتدريس لمادة العلوم ونظرا لأن المدرسة لم يكن بها إلا فصلين بالفترة المسائية فأخذت على عاتقي تدريس المواد العلمية علوم ورياضيات للمرحلة الاعدادية وأكملت ببعض الحصص في المدرسة الابتدائية الأصلية ( الصباحية ) ، وقامت احدى المدرسات ، ومدرس آخر بتدريس اللغة الانجليزية ، وبعده في العام التالي قمت بتدريس اللغة الانجليزية.
** ولم تكن الرياضيات تقليدية فاضطررت الى الاستعانة بأحد المدرسين بمدرسة أخرى للتعرف على الرياضة الحديثة ، ولم يكن ذلك شاقا بالنسبة لي لأنني أميل الى مادة الرياضيات .
(( التعامل عن قرب مع المدرس العراقي ))
** كان مدرس الانجليزي هو حلقة الوصل مع أهل القرية وكان لا يتنازل عن تحدثه باللهجة المصرية المكسرة وكان دائما يمتدح المصريين ويصفهم بأنهم نشيطين ويستطيعون الخروج من المآزق بالحيلة إلا أنه كان يعيب عليهم الميل الى الضوضاء والصخب .

** وكان له الفضل في سماح أهل القرية لي بالسكن في القرية ، حتى أصبح أهل القرية يطمئنون إلى التعامل معي ويدعونني للعشاء في منازلهم لاثبات كرمهم واستطعت بأسلوبي الهادئ وحكمتي أن أكتسب ثقتهم المطلقة لدرجة كبيرة جدا لم أعهدها في أقرب الأصدقاء في مصر .
** استأمنني هذا المدرس على أسرار كثيرة خاصة بحياته الشخصية ومعارضته للنظام الحاكم فقد كان بالحزب الشيوعي سابقا عندما كانت العراق بها قدر من حرية ولكن بعد ذلك اصبح مستهدف من النظام الحاكم حيث أن النظام الحاكم لم يقبل المعارضات من اقصى اليمين ومن أقصى اليسار أيضا.
** حكى لي عن فترة عمله بالمحافظة الكردية مدرسا باحدى مدارسها الابتدائية ... وكان يشيد بمعاملة الأكراد الحسنة له رغم وجود الخلافات بين العرب والأكراد وقال لي أنه في احد الايام وجد طفلا في الابتدائية يكتب على السبورة عبارات فيها تحيز لقوميته الكردية ، وكان الطفل متوقعا أن ينال العقاب على ذلك ولكن هذا المدرس طمأنه وشجعه لما وجده من روح الوطنية والاعتزاز بالنفس والقومية الكردية
** ومن خلال هذه الحكاية بدأت أعرف بعضا من طباع هذا المدرس وهو احترامه للآخرين رغم الاختلافات في الآراء والمعتقدات .
** و بعد أن اطمأن قلبه وتوطدت العلاقات الى الأكثر فبدأ يدعوني كثيرا الى بيته وأطلعني على الجيتار الذي اشتراه من يوغسلافيا فوجدته ناقصا في الاوتار وماكينة الشد تحتاج الى تغيير فوعدته بأن اشتري له الاشياء الناقصة من الجيتار من بغداد عندما أذهب يوم ما وحدث ذلك أن ذهبت الى بغداد واشتريت له ماكينة الشد من معرض الأرصدي.
** كان يعبر عن أهدافه في التعليم وهي تعويد التلاميذ على سلوكيات التعاون والمحبة واحترام الآخر.
** وفي احد المواقف وجدته ينظم فريقين للعب كرة القدم وعندما وجد أن الفريقين يمثلان قريتين فأعاد تقسيم الفريقين بناء على فكرة عدم تعويدهم على التعصب .. كل الى قريته .
** كما وجدته أنه كان ينهر أحد التلاميذ لأنه يفتن على زميله ، وأوضح لي أن هذا العيب ليس من صفة العراقيين ولكنه نظام مستحدث فرضته الانظمة الحاكمة .
** كان شديد الملاحظة لسلوك الطلاب في خارج الفصل ففي أحد الأيام عندما كان يدرس أحد الدروس الاضافية ( بدون أجر ) قال للطلاب اذهبوا الى غرفة المدير وانتظروني هناك لكي أحضر لكم ، فعندما ذهب وجد الطلاب كل منهم يجلس في مكان معين فهذا ابن مسئول الحزب الكبير جلس على مكتب المدير، وهذا ابن المدرس يتخذ مكانا متواضعا وابن العامل يتخذ مكانا بجوار الباب بعد ذلك جاء ليحكي لي عن مشاهدته التي لاحظها في ذلك اليوم لكي يوضح لي تأثير صفات الوالدين على أبنائهم .
(( ممارسة الموسيقى بالمدرسة ))
** ومما جعل راحتي تكتمل في القرية أن هذا المدرس أتى بالجيتار الخاص به وتركه معي بالغرفة لكي أقوم بتعليمه الموسيقى ، ولكنه لم يستمر معي في التعلم فأصبح الجيتار في حيازتي اقوم بالعزف عليه أوقات الفراغ واحفظ الأغاني العراقية عليه والنشيد القومي لهم وأحصل على نوت موسيقية ودليل معلم التربية الموسيقية وأقوم بتحفيظ البنات بعض الأغاني ، كما كنت أيضا اقوم بتحفيظ الأولاد في مدرسة البنين الابتدائية بدون مقابل وأمارس عمل مدرس الموسيقى ، وكان قدوتي هو مدرس الابتدائي في مصر الذي تحدثت عنه من قبل .

** وفي حفلة نهاية العام 1981/1982 قام هذا المدرس بتاليف وتجميع كلمات تعبر عن احترام جميع الوظائف ، وقمنا بتلحينها بحيث يبدأ الفلاح يعرض أعماله ويقول : الحقل الاخضر صنع يدي وانا فلاح يابلدي ، فلاح يابلد النور استيقظ قبل العصفور ...... الخ فيرد عليه المجموعة : الحب للجميع والنور للجميع من زهرة بعينها لا يصنع الربيع ، ثم يأتي العامل ليقول : بأيدينا صنعنا المعجزات بنينا الرائعات الباقيات رفعنا الف سارية وسد ، على النيل العظيم على الفرات ... فيرد عليه المجموعة : النور للجميع ....الخ ، ثم يأتي الجندي : انا جندي لهذا الوطن أفديه بأغلى الثمن لا أهاب الموت ..... الخ فيرد عليه المجموعة : النور للجميع ... الخ ، وأخيرا يأتي الطالب ويرد عليه المجموعة ايضا
** وكان يسعدني كثيرا أثناء تجوالي معه بالقرية أن الأطفال يقولون لي أهلا استاذ علاء ويرددون الأغاني التي كنت أحفظها لهم ، وفي أحد المرات قال لي الاستاذ حسن أن الاولاد يرحبون بك ويتجاهلوني .
** ولاحظت ذات مرة أن أحد الطلاب طلب مني صورة شخصية وعلمت انه علقها في بيته .

** وكنت أحاول رد مجاملاتهم بالعزومات وخلافه بأن أصورهم بكاميرتي وأعطي لهم الصور بدون مقابل في كثير من الأحيان أما بالحفلات فكنت آخذ ثمن الصور ، ومن الغرائب في هذا الشأن أنني لم اضطر يوما إلى طلب ثمن الصور بل أن بعضهم كان يعطيني ثمن الصور بعد شهرين أو أكثر من استلامها بدون أن ينسى أو يتناسى .


(( تأملات في اللهجة العراقية ))
** وبالتعمق في لهجتهم لاحظت أسماء الإشارة التالية
هذا : للمفرد المذكر القريب ، ذول : للجمع المذكر القريب
ذاك : للمفرد المذكر البعيد ، ذولاك : للجمع المذكر البعيد
هاي أو هادي: للمفرد المؤنث القريب ذنّي : للجمع المؤنث القريب
ذيش : للمفرد المؤنث البعيد ، ذنيش : للجمع المؤنث البعيد
** استمر عملي بالعراق سنتين دراسيتين اكتسبت خبرة في التدريس ومعلومات تربوية كثيرة من خلال زيارات الموجهين والمناقشات مع الزملاء كما أن اختلاف اللهجة جعلني أجيد استعمال اللغة العربية في الشرح .
** ومما يجب ذكره أنني كنت في العام الدراسي الأول أكثر استمتاعا بالسكن والتدريس لأنني كنت أسكن في القرية مع العراقيين الريفيين البسطاء الذين لا يعرفون المكر والكذب والمبالغة ولكني بعدما سكنت مع زملاء مصريين واجهت مشكلات كثيرة لا داعي للخوض فيها كثيرا .
** وبدلا من التعامل بالشفافية المطلقة مع العراقيين البسطاء أصبحت أتعامل بحرص شديد مع زملائي المصريين الذين سكنت معهم في السنة التالية بالعراق ، وانتهى في هذا العام النشاط الموسيقي والفني .
** ومما أذكره في العام الثاني بالعراق 1982/1983 أن صاحبي العراقي رغم أنه تزوج واستقر عائليا إلا أن ظروفا صعبة مرت به منها أسر أخوه في ايران، واعدام أخوه الثاني لانتمائه الى حزب موالي لايران ، ولم يكن مصدقا هذا الاعدام ، رغم أن أخواته كانوا يلبسون السواد حزنا على أخيهم .
** تعاطفت معه وخاصة عندما علمت تخلي بعض أصدقائه عن مصاحبته، وفي احد الأحاديث وجدته يضحك مفتعلا وقال لي ما معناه أن السبب في ذلك لكي يبعد الشبهات عنه، وتطمئن المخابرات أنه لم تعد له اهتمامات سياسية .
** وتعجبت واستأت كثيرا في أحد المرات أثناء اختلافي مع أحد الزملاء المصريين أن هددني بالابلاغ عن مصاحبتي لهذا العراقي، لذلك فقد كان أشد خوفي وقلقي من الزملاء المصريين .
** وفي نهاية العام الدراسي الثاني تم اخبارنا بأنه غير مسموح لنا بالتعاقد مرة ثالثة إلا بشروط جديدة وتخصصات محددة، لم أهتم بالتعرف على الشروط الجديدة لشدة استيائي من التعامل مع المصريين زملاء السكن ، لذلك قررت العودة من العراق بعد انتهاء السنة الدراسية ومراقبة الثانوية عالعامة هناك ، قررت العودة دون نية في الرجوع رغم أنني قد فهمت الكثير عن فرص العمل وأصبحت العراق بكل محافظاتها أكثر وضوحا من مصر، وبلا مبالغة أنني في خلال السنتين اكتسبت خبرات أكثر كثيرا مما اكتسبتها من مصر، فقد كان اليوم يمضي طويلا وبأحداث كثيرة كما لو كان عديد من الايام في مصر .
** وكان السبب الآخر في الرجوع هو استلام التعيين في مصر واكتفيت وقنعت بما حصلت عليه من مال يمكن به الزواج والاستقرار في مصر.,
** من هذا الرابط ***** يمكن متابعة هذه المذكرات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق